[ ص: 76 ] الباب الثالث
في
nindex.php?page=treesubj&link=22606تعارض مقتضيات الألفاظ
يحمل اللفظ على الحقيقة دون المجاز ، والعموم دون الخصوص ، والإفراد دون الاشتراك ، والاستقلال دون الإضمار ، وعلى الإطلاق دون التقييد ، وعلى التأصيل دون الزيادة ، وعلى الترتيب دون التقديم والتأخير ، وعلى التأسيس دون التأكيد ، وعلى البقاء دون النسخ ، وعلى الشرعي دون العقلي ، وعلى العرفي دون اللغوي إلا أن يدل دليل على خلاف ذلك .
فروع أربعة : الأول : يجوز عند المالكية استعمال اللفظ في حقائقه إن كان مشتركا ، أو مجازاته ، أو مجازه وحقيقته ، وبذلك قال
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي - رحمه الله - وجماعة من أصحابه خلافا لقوم ، وهذا يشترط فيه دليل يدل على وقوعه ، وهذا الفرع يبنى على قاعدة ، وهي أن المجاز على ثلاثة أقسام : جائز إجماعا ، وهو ما اتحد محمله ، وقربت علاقته ، وممتنع إجماعا ، وهو مجاز التعقيد ، وهو ما افتقر إلى علاقات كثيرة نحو قول القائل تزوجت بنت الأمير ، ويفسر ذلك برؤيته لوالد عاقد الأنكحة بالمدينة معتمدا على أن النكاح ملازم للعقد الذي هو ملازم للعاقد الذي هو ملازم لأبيه ، ومجاز مختلف فيه ، وهو الجمع بين حقيقتين ، أو مجازين ، أو مجاز وحقيقة ، فإن الجمع بين الحقيقتين مجاز ، وكذلك الباقي لأن اللفظ لم يوضع للمجموع ، فهو مجاز فيه ، فنحن
nindex.php?page=showalam&ids=13790والشافعي نقول بهذا المجاز ، وغيرنا لا يقول به .
[ ص: 77 ] [ لنا قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=56إن الله وملائكته يصلون على النبي ) . والصلاة من الملائكة الدعاء ، ومن الله تعالى الإحسان ، فقد استعمل في المعنيين . . . بأنه يمتنع استعماله حقيقة لعدم الوضع ، ومجازا لأن العرب لم تجزه ، والجواب منع الثاني ] .
الثاني : إذا تجرد المشترك عن القرائن كان مجملا لا يتصرف فيه إلا بدليل يعين أحد مسمياته ، وقال
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي : حمله على الجميع احتياطا .
الثالث : إذا دار اللفظ بين الحقيقة المرجوحة والمجاز الراجح كلفظ الدابة : حقيقة مرجوحة في مطلق الدابة مجاز راجح في الحمار ، فيحمل على الحقيقة عند
أبي حنيفة ترجيحا للحقيقة على المجاز ، وعلى المجاز الراجح عند
أبي يوسف نظرا لرجحانه ، وتوقف
الإمام فخر الدين في ذلك نظرا للتعارض ، والأظهر مذهب
أبي يوسف ، فإن كل شيء قدم من الألفاظ إنما قدم لرجحانه ، والتقدير رجحان المجاز ، فيجب المصير إليه .
وهاهنا دقيقة ، وهو أن الكلام إذا كان في سياق النفي ، والمجاز الراجح بعض أفراد الحقيقة كالدابة والطلاق - يتعين أن الكلام نص في نفي المجاز الراجح بالضرورة ، فلا يتأتى توقف الإمام - رحمه الله - وإذا كان في سياق الإثبات ، والمجاز الراجح بعض أفراد الحقيقة ، فهو نص في إثبات الحقيقة بالضرورة ، فلا يأتي توقفه أيضا ، وإنما يتأتى له ذلك إن سلم له في نفي الحقيقة ، والكلام في سياق النفي ، أو في إثبات المجاز ، والكلام في سياق الإثبات ، أو يكون المجاز الراجح ليس بعض أفراد الحقيقة كالرواية والنجو .
[ ص: 78 ] الرابع : إذا دار اللفظ بين احتمالين مرجوحين ، فيقدم التخصيص والمجاز والإضمار والنقل والاشتراك على النسخ ، والأربعة الأولى على الاشتراك ، والثلاثة الأولى على النقل ، والأولان على الإضمار ، والأول على الثاني ، لأن النسخ يحتاط فيه أكثر لكونه يصير اللفظ باطلا ، فتكون مقدماته أكثر ، فيكون مرجوحا ، فتقدم لرجحانها عليه ، والاشتراك محمل حاله القريبة بخلاف الأربعة ، والنقل يحتاج إلى اتفاق على إبطال وإنشاء وضع بعد وضع ، والثلاثة يكفي فيها مجرد القرينة ، فتقدم عليه ، ولأن الإضمار أقل ، فيكون مرجوحا ، ولأن التخصيص في بعض الحقيقة بخلاف المجاز .
[ ص: 76 ] الْبَابُ الثَّالِثُ
فِي
nindex.php?page=treesubj&link=22606تَعَارُضِ مُقْتَضَيَاتِ الْأَلْفَاظِ
يُحْمَلُ اللَّفْظُ عَلَى الْحَقِيقَةِ دُونَ الْمَجَازِ ، وَالْعُمُومِ دُونَ الْخُصُوصِ ، وَالْإِفْرَادِ دُونَ الِاشْتِرَاكِ ، وَالِاسْتِقْلَالِ دُونَ الْإِضْمَارِ ، وَعَلَى الْإِطْلَاقِ دُونَ التَّقْيِيدِ ، وَعَلَى التَّأْصِيلِ دُونَ الزِّيَادَةِ ، وَعَلَى التَّرْتِيبِ دُونَ التَّقْدِيمِ وَالتَّأْخِيرِ ، وَعَلَى التَّأْسِيسِ دُونَ التَّأْكِيدِ ، وَعَلَى الْبَقَاءِ دُونَ النَّسْخِ ، وَعَلَى الشَّرْعِيِّ دُونَ الْعَقْلِيِّ ، وَعَلَى الْعُرْفِيِّ دُونَ اللُّغَوِيِّ إِلَّا أَنْ يَدُلَّ دَلِيلٌ عَلَى خِلَافِ ذَلِكَ .
فُرُوعٌ أَرْبَعَةٌ : الْأَوَّلُ : يَجُوزُ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ اسْتِعْمَالُ اللَّفْظِ فِي حَقَائِقِهِ إِنْ كَانَ مُشْتَرَكًا ، أَوْ مَجَازَاتِهِ ، أَوْ مَجَازِهِ وَحَقِيقَتِهِ ، وَبِذَلِكَ قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَجَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِهِ خِلَافًا لِقَوْمٍ ، وَهَذَا يُشْتَرَطُ فِيهِ دَلِيلٌ يَدُلُّ عَلَى وُقُوعِهِ ، وَهَذَا الْفَرْعُ يُبْنَى عَلَى قَاعِدَةٍ ، وَهِيَ أَنَّ الْمَجَازَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ : جَائِزٌ إِجْمَاعًا ، وَهُوَ مَا اتَّحَدَ مَحْمَلُهُ ، وَقَرُبَتْ عَلَاقَتُهُ ، وَمُمْتَنِعٌ إِجْمَاعًا ، وَهُوَ مَجَازُ التَّعْقِيدِ ، وَهُوَ مَا افْتَقَرَ إِلَى عَلَاقَاتٍ كَثِيرَةٍ نَحْوَ قَوْلِ الْقَائِلِ تَزَوَّجَتْ بِنْتُ الْأَمِيرِ ، وَيُفَسَّرُ ذَلِكَ بِرُؤْيَتِهِ لِوَالِدِ عَاقِدِ الْأَنْكِحَةِ بِالْمَدِينَةِ مُعْتَمِدًا عَلَى أَنَّ النِّكَاحَ مُلَازِمٌ لِلْعَقْدِ الَّذِي هُوَ مُلَازِمٌ لِلْعَاقِدِ الَّذِي هُوَ مُلَازِمٌ لِأَبِيهِ ، وَمَجَازٌ مُخْتَلَفٌ فِيهِ ، وَهُوَ الْجَمْعُ بَيْنَ حَقِيقَتَيْنِ ، أَوْ مَجَازَيْنِ ، أَوْ مَجَازٍ وَحَقِيقَةٍ ، فَإِنَّ الْجَمْعَ بَيْنَ الْحَقِيقَتَيْنِ مَجَازٌ ، وَكَذَلِكَ الْبَاقِي لِأَنَّ اللَّفْظَ لَمْ يُوضَعْ لِلْمَجْمُوعِ ، فَهُوَ مَجَازٌ فِيهِ ، فَنَحْنُ
nindex.php?page=showalam&ids=13790وَالشَّافِعِيُّ نَقُولُ بِهَذَا الْمَجَازِ ، وَغَيْرُنَا لَا يَقُولُ بِهِ .
[ ص: 77 ] [ لَنَا قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=56إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ ) . وَالصَّلَاةُ مِنَ الْمَلَائِكَةِ الدُّعَاءُ ، وَمِنَ اللَّهِ تَعَالَى الْإِحْسَانُ ، فَقَدِ اسْتُعْمِلَ فِي الْمَعْنَيَيْنِ . . . بِأَنَّهُ يُمْتَنَعُ اسْتِعْمَالُهُ حَقِيقَةً لِعَدَمِ الْوَضْعِ ، وَمَجَازًا لِأَنَّ الْعَرَبَ لَمْ تُجِزْهُ ، وَالْجَوَابُ مَنْعُ الثَّانِي ] .
الثَّانِي : إِذَا تَجَرَّدَ الْمُشْتَرَكُ عَنِ الْقَرَائِنِ كَانَ مُجْمَلًا لَا يُتَصَرَّفُ فِيهِ إِلَّا بِدَلِيلٍ يُعَيِّنُ أَحَدَ مُسَمَّيَاتِهِ ، وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشَّافِعِيُّ : حَمْلُهُ عَلَى الْجَمِيعِ احْتِيَاطًا .
الثَّالِثُ : إِذَا دَارَ اللَّفْظُ بَيْنَ الْحَقِيقَةِ الْمَرْجُوحَةِ وَالْمَجَازِ الرَّاجِحِ كَلَفْظِ الدَّابَّةِ : حَقِيقَةٌ مَرْجُوحَةٌ فِي مُطْلَقِ الدَّابَّةِ مَجَازٌ رَاجِحٌ فِي الْحِمَارِ ، فَيُحْمَلُ عَلَى الْحَقِيقَةِ عِنْدَ
أَبِي حَنِيفَةَ تَرْجِيحًا لِلْحَقِيقَةِ عَلَى الْمَجَازِ ، وَعَلَى الْمَجَازِ الرَّاجِحِ عِنْدَ
أَبِي يُوسُفَ نَظَرًا لِرُجْحَانِهِ ، وَتَوَقَّفَ
الْإِمَامُ فَخْرُ الدِّينِ فِي ذَلِكَ نَظَرًا لِلتَّعَارُضِ ، وَالْأَظْهَرُ مَذْهَبُ
أَبِي يُوسُفَ ، فَإِنَّ كُلَّ شَيْءٍ قُدِّمَ مِنَ الْأَلْفَاظِ إِنَّمَا قُدِّمَ لِرُجْحَانِهِ ، وَالتَّقْدِيرُ رُجْحَانُ الْمَجَازِ ، فَيَجِبُ الْمَصِيرُ إِلَيْهِ .
وَهَاهُنَا دَقِيقَةٌ ، وَهُوَ أَنَّ الْكَلَامَ إِذَا كَانَ فِي سِيَاقِ النَّفْيِ ، وَالْمَجَازُ الرَّاجِحُ بَعْضُ أَفْرَادِ الْحَقِيقَةِ كَالدَّابَّةِ وَالطَّلَاقِ - يَتَعَيَّنُ أَنَّ الْكَلَامَ نَصٌّ فِي نَفْيِ الْمَجَازِ الرَّاجِحِ بِالضَّرُورَةِ ، فَلَا يَتَأَتَّى تَوَقُّفُ الْإِمَامِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَإِذَا كَانَ فِي سِيَاقِ الْإِثْبَاتِ ، وَالْمَجَازُ الرَّاجِحُ بَعْضُ أَفْرَادِ الْحَقِيقَةِ ، فَهُوَ نَصٌّ فِي إِثْبَاتِ الْحَقِيقَةِ بِالضَّرُورَةِ ، فَلَا يَأْتِي تَوَقُّفُهُ أَيْضًا ، وَإِنَّمَا يَتَأَتَّى لَهُ ذَلِكَ إِنْ سُلِّمَ لَهُ فِي نَفْيِ الْحَقِيقَةِ ، وَالْكَلَامُ فِي سِيَاقِ النَّفْيِ ، أَوْ فِي إِثْبَاتِ الْمَجَازِ ، وَالْكَلَامُ فِي سِيَاقِ الْإِثْبَاتِ ، أَوْ يَكُونُ الْمَجَازُ الرَّاجِحُ لَيْسَ بَعْضَ أَفْرَادِ الْحَقِيقَةِ كَالرِّوَايَةِ وَالنَّجْوِ .
[ ص: 78 ] الرَّابِعُ : إِذَا دَارَ اللَّفْظُ بَيْنَ احْتِمَالَيْنِ مَرْجُوحَيْنِ ، فَيُقَدَّمُ التَّخْصِيصُ وَالْمَجَازُ وَالْإِضْمَارُ وَالنَّقْلُ وَالِاشْتِرَاكُ عَلَى النَّسْخِ ، وَالْأَرْبَعَةُ الْأُولَى عَلَى الِاشْتِرَاكِ ، وَالثَّلَاثَةُ الْأُولَى عَلَى النَّقْلِ ، وَالْأَوَّلَانِ عَلَى الْإِضْمَارِ ، وَالْأَوَّلُ عَلَى الثَّانِي ، لِأَنَّ النَّسْخَ يُحْتَاطُ فِيهِ أَكْثَرَ لِكَوْنِهِ يُصَيِّرُ اللَّفْظَ بَاطِلًا ، فَتَكُونُ مُقَدِّمَاتُهُ أَكْثَرَ ، فَيَكُونُ مَرْجُوحًا ، فَتُقَدَّمُ لِرُجْحَانِهَا عَلَيْهِ ، وَالِاشْتِرَاكُ مَحْمَلُ حَالِهِ الْقَرِيبَةِ بِخِلَافِ الْأَرْبَعَةِ ، وَالنَّقْلُ يَحْتَاجُ إِلَى اتِّفَاقٍ عَلَى إِبْطَالٍ وَإِنْشَاءِ وَضْعٍ بَعْدَ وَضْعٍ ، وَالثَّلَاثَةُ يَكْفِي فِيهَا مُجَرَّدُ الْقَرِينَةِ ، فَتُقَدَّمُ عَلَيْهِ ، وَلِأَنَّ الْإِضْمَارَ أَقَلُّ ، فَيَكُونُ مَرْجُوحًا ، وَلِأَنَّ التَّخْصِيصَ فِي بَعْضِ الْحَقِيقَةِ بِخِلَافِ الْمَجَازِ .