[ ص: 109 ] المسالة الثالثة
هذه الشريعة المباركة أمية ; لأن أهلها كذلك فهو أجرى على اعتبار المصالح ، ويدل على ذلك أمور :
أحدها : النصوص المتواترة اللفظ والمعنى ، كقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=62&ayano=2هو الذي بعث في الأميين رسولا منهم [ الجمعة : 2 ] .
وقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=158فآمنوا بالله ورسوله النبي الأمي الذي يؤمن بالله وكلماته [ الأعراف : 158 ] .
[ ص: 110 ] وفي الحديث :
nindex.php?page=hadith&LINKID=10337474بعثت إلى أمة أمية لأنهم لم يكن لهم علم بعلوم الأقدمين ، والأمي منسوب إلى الأم ، وهو الباقي على أصل ولادة الأم لم يتعلم كتابا ولا غيره ، فهو على أصل خلقته التي ولد عليها .
وفي الحديث :
nindex.php?page=hadith&LINKID=10337328nindex.php?page=treesubj&link=32201نحن أمة أمية لا نحسب ولا نكتب ، الشهر هكذا وهكذا وهكذا وقد فسر معنى الأمية في الحديث; أي ليس لنا علم بالحساب ولا الكتاب .
ونحوه قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=48وما كنت تتلو من قبله من كتاب ولا تخطه بيمينك [ العنكبوت : 48 ] .
وما أشبه هذا من الأدلة المبثوثة في الكتاب والسنة ، الدالة على أن
[ ص: 111 ] الشريعة موضوعة على وصف الأمية ، لأن أهلها كذلك .
والثاني : أن الشريعة التي بعث بها النبي الأمي - صلى الله عليه وسلم - إلى العرب خصوصا وإلى من سواهم عموما; إما أن تكون على نسبة ما هم عليه من وصف الأمية أو لا ، فإن كان كذلك ، فهو معنى كونها أمية ; أي منسوبة إلى الأميين ، وإن لم تكن كذلك; لزم أن تكون على غير ما عهدوا ، فلم تكن لتتنزل من أنفسهم منزلة ما تعهد ، وذلك خلاف ما وضع عليه الأمر فيها ، فلا بد أن تكون على ما يعهدون ، والعرب لم تعهد إلا ما وصفها الله به من الأمية ، فالشريعة إذا أمية .
والثالث : أنه لو لم يكن على ما يعهدون لم يكن عندهم معجزا ،
[ ص: 112 ] ولكانوا يخرجون عن مقتضى التعجيز بقولهم : هذا على غير ما عهدنا; إذ ليس لنا عهد بمثل هذا الكلام ، من حيث إن كلامنا معروف مفهوم عندنا ، وهذا ليس بمفهوم ولا معروف ، فلم تقم الحجة عليهم به ، ولذلك قال سبحانه :
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=44ولو جعلناه قرآنا أعجميا لقالوا لولا فصلت آياته أأعجمي وعربي [ فصلت : 44 ] فجعل الحجة على فرض كون القرآن أعجميا ، ولما قالوا :
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=103إنما يعلمه بشر [ النحل : 103 ] رد الله عليهم بقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=103لسان الذي يلحدون إليه أعجمي وهذا لسان عربي مبين [ النحل : 103 ] لكنهم أذعنوا لظهور الحجة ، فدل على أن ذلك لعلمهم به وعهدهم بمثله ، مع العجز عن مماثلته ، وأدلة هذا المعنى كثيرة .
[ ص: 109 ] الْمُسَالَةُ الثَّالِثَةُ
هَذِهِ الشَّرِيعَةُ الْمُبَارَكَةُ أُمِّيَّةٌ ; لِأَنَّ أَهْلَهَا كَذَلِكَ فَهُوَ أَجْرَى عَلَى اعْتِبَارِ الْمَصَالِحِ ، وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ أُمُورٌ :
أَحَدُهَا : النُّصُوصُ الْمُتَوَاتِرَةُ اللَّفْظِ وَالْمَعْنَى ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=62&ayano=2هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ [ الْجُمُعَةِ : 2 ] .
وَقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=158فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ [ الْأَعْرَافِ : 158 ] .
[ ص: 110 ] وَفِي الْحَدِيثِ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=10337474بُعِثْتُ إِلَى أُمَّةٍ أُمِّيَّةٍ لِأَنَّهُمْ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ عِلْمٌ بِعُلُومِ الْأَقْدَمِينَ ، وَالْأُمِّيُّ مَنْسُوبٌ إِلَى الْأُمِّ ، وَهُوَ الْبَاقِي عَلَى أَصْلِ وِلَادَةِ الْأُمِّ لَمْ يَتَعَلَّمْ كِتَابًا وَلَا غَيْرَهُ ، فَهُوَ عَلَى أَصْلِ خِلْقَتِهِ الَّتِي وُلِدَ عَلَيْهَا .
وَفِي الْحَدِيثِ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=10337328nindex.php?page=treesubj&link=32201نَحْنُ أُمَّةٌ أُمِّيَّةٌ لَا نَحْسِبُ وَلَا نَكْتُبُ ، الشَّهْرُ هَكَذَا وَهَكَذَا وَهَكَذَا وَقَدْ فَسَرَ مَعْنَى الْأُمِّيَّةِ فِي الْحَدِيثِ; أَيْ لَيْسَ لَنَا عِلْمٌ بِالْحِسَابِ وَلَا الْكِتَابِ .
وَنَحْوُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=48وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ [ الْعَنْكَبُوتِ : 48 ] .
وَمَا أَشْبَهَ هَذَا مِنَ الْأَدِلَّةِ الْمَبْثُوثَةِ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ ، الدَّالَّةِ عَلَى أَنَّ
[ ص: 111 ] الشَّرِيعَةَ مَوْضُوعَةٌ عَلَى وَصْفِ الْأُمِّيَّةِ ، لِأَنَّ أَهْلَهَا كَذَلِكَ .
وَالثَّانِي : أَنَّ الشَّرِيعَةَ الَّتِي بُعِثَ بِهَا النَّبِيُّ الْأُمِّيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِلَى الْعَرَبِ خُصُوصًا وَإِلَى مَنْ سِوَاهُمْ عُمُومًا; إِمَّا أَنْ تَكُونَ عَلَى نِسْبَةِ مَا هُمْ عَلَيْهِ مَنْ وَصْفِ الْأُمِّيَّةِ أَوْ لَا ، فَإِنْ كَانَ كَذَلِكَ ، فَهُوَ مَعْنَى كَوْنِهَا أُمِّيَّةً ; أَيْ مَنْسُوبَةً إِلَى الْأُمِّيِّينَ ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ كَذَلِكَ; لَزِمَ أَنْ تَكُونَ عَلَى غَيْرِ مَا عَهِدُوا ، فَلَمْ تَكُنْ لِتَتَنَزَّلَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ مَنْزِلَةً مَا تُعْهَدُ ، وَذَلِكَ خِلَافُ مَا وُضِعَ عَلَيْهِ الْأَمْرُ فِيهَا ، فَلَا بُدَّ أَنْ تَكُونَ عَلَى مَا يَعْهَدُونَ ، وَالْعَرَبُ لَمْ تَعْهَدْ إِلَّا مَا وَصَفَهَا اللَّهُ بِهِ مِنَ الْأُمِّيَّةِ ، فَالشَّرِيعَةُ إِذًا أُمِّيَّةٌ .
وَالثَّالِثُ : أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ عَلَى مَا يَعْهَدُونَ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُمْ مُعْجِزًا ،
[ ص: 112 ] وَلَكَانُوا يَخْرُجُونَ عَنْ مُقْتَضَى التَّعْجِيزِ بِقَوْلِهِمْ : هَذَا عَلَى غَيْرِ مَا عَهِدْنَا; إِذْ لَيْسَ لَنَا عَهْدٌ بِمِثْلِ هَذَا الْكَلَامِ ، مِنْ حَيْثُ إِنَّ كَلَامَنَا مَعْرُوفٌ مَفْهُومٌ عِنْدَنَا ، وَهَذَا لَيْسَ بِمَفْهُومٍ وَلَا مَعْرُوفٍ ، فَلَمْ تَقُمِ الْحُجَّةُ عَلَيْهِمْ بِهِ ، وَلِذَلِكَ قَالَ سُبْحَانَهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=44وَلَوْ جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا أَعْجَمِيًّا لَقَالُوا لَوْلَا فُصِّلَتْ آيَاتُهُ أَأَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ [ فُصِّلَتْ : 44 ] فَجَعَلَ الْحُجَّةَ عَلَى فَرْضِ كَوْنِ الْقُرْآنِ أَعْجَمِيًّا ، وَلَمَّا قَالُوا :
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=103إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ [ النَّحْلِ : 103 ] رَدَّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ بِقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=103لِسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ [ النَّحْلِ : 103 ] لَكِنَّهُمْ أَذْعَنُوا لِظُهُورِ الْحُجَّةِ ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ لِعِلْمِهِمْ بِهِ وَعَهْدِهِمْ بِمِثْلِهِ ، مَعَ الْعَجْزِ عَنْ مُمَاثَلَتِهِ ، وَأَدِلَّةُ هَذَا الْمَعْنَى كَثِيرَةٌ .