الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

كيف أبر والدي وهما يصران على تطليقي، وتشتيت أسرتي؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله.

كيف أبر والدي، وهما يصران على تطليقي من زوجي وعصياني له؛ وبسبب ما يفعلانه من أمور وقع الطلاق بالفعل، ثم عدت إلى زوجي، مع العلم أن بيننا أربعة أطفال، وكلما أتواصل معهما يطالبانني بكثرة زيارتهما، وعند الزيارة يبدءان في إهانتي وزوجي، ومحاولة استقطاب الأطفال، للتعلق بأبناء إخوتي الذكور أكثر من والديهم؛ حتى إنهما فرقا بين أبنائي، وبذلت مجهوداً كبيراً حتى عادوا إخوة.

ذهبت لزيارتهما في العيد مع طفلتي الصغيرة؛ لأنهما لم يروها بسبب السفر، فغضبا مني؛ لأنّ زوجي وبقية الأولاد لم يأتوا، حتى إن أبي ضربني بعنفٍ على وجهي، وأصر على طردي، وقد وصل به الأمر أنه ذهب لإحضار سكين! فقمت مسرعة وذهبت إلى منزلي، وأمي دائماً لا تعترض على أبي في إيذائي أو إيذاء إخوتي.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ إيناس حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

مرحبًا بك أختَنا الكريمة في إسلام ويب، وردًا على استشارتك أقول، وبالله تعالى أستعين.

أختَنا الكريمة: أنتِ متزوجة ولديكِ أسرة، وطاعتكِ في هذا الحال لزوجك، ومسؤوليتكِ العُظمى هي الحفاظ على أسرتكِ وزوجكِ، ما دامت أموركِ مستقرة، وزوجكِ صالحًا، لا طاعة لوالديكِ في مسألة إصرارهما على الطلاق؛ لأن ذلك يتسبب في تفكيك أسرتكِ، وضياع أبنائكِ بلا ذنب، ولا سبب شرعي.

واضح من خلال استشارتكِ أنكِ بارةٌ بوالديكِ، وأنكِ تزورينهما بين الحين والآخر، وأنكِ لا تُسيئين لهما، ولكن من الواضح تعنت والدكِ، ولا يجوز لوالدكِ تحت أي ظرف أن يضربكِ بعنف، أو أن يهددكِ بسكين؛ فالتهديد بالسلاح أمر محرَّم.

اعلمي أن البرَّ والإحسان الحقيقي للوالدين ليس هو الطاعة العمياء، بل هو مربوط بطاعة الله سبحانه؛ فلا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، كما قال النبي عليه الصلاة والسلام، والله تعالى يقول: ﴿وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَىٰ أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا﴾ وكونه لا طاعة لهما في مسألة الطلاق؛ لا يعني أنكِ عدم برهما والإحسان إليهما، فالإحسان إليهما شيء آخر، فاستمري ببرِّهما قدر استطاعتكِ، وفي نفس الوقت حافظي على علاقتكِ بزوجكِ، وحوِّطي أسرتكِ بسياجٍ من الأمان حتى لا تتفكك، واحرصي على استقرار أبنائكِ النفسي، وربِّيهم في بيئة آمنة؛ فتلك هي مسؤوليتكِ أمام الله، فذلك أفضل ردٍّ على من يحاول تفكيك أسرتكِ.

احذري من تعريضهم لمشاهد الشجار والتهديد والعنف، وإثارة الكراهية بينهم وبين والدهم، أو حتى بين بعضهم البعض من أيِّ شخص كان، وقلِّلي من الزيارات لوالديكِ، وإن زرتِهم فلا تُطِيلي المكث عندهم، واجعلي الزيارات متباعدة، وإن أدَّى ذلك لغضبهما؛ طالما ذلك يعرِّضكِ للضرب والتهديد، ويهدِّد وحدة أسرتكِ، وأخوَّة أبنائكِ، ولا تسمحي لأطفالكِ بالذهاب إلى مكان يُهان فيه والدهم أو أنتِ، أو يمكن التأثير عليهم نفسيًا ضدكم، وإن كان منزل والدكِ؛ لأن هذا يسبِّب لهم صراعات نفسية كبيرة.

هنالك عدة وسائل للبر بوالديكِ؛ منها: التواصل عبر الهاتف والرسائل النصية، وإرسال بعض الهدايا لهما؛ فذلك من أسباب زرع المحبة بإذن الله تعالى، كما قال عليه الصلاة والسلام: «تَهادوا تحابوا».

تضرَّعي بالدعاء بين يدي الله تعالى، وتحيني أوقات الإجابة وخاصة أثناء السجود، وسلي الله تعالى أن يصلح والديكِ، وأن يبصرهما بعيوبهما، وأن يلين قلبيهما، وسليه ما تريدين من خيري الدنيا والآخرة، وأكثري من الاستغفار؛ فذلك من أسباب تفريج الهموم، كما قال عليه الصلاة والسلام: «مَن لزِم الاستغفار جعل الله له من كلِّ همٍّ فرجًا ومن كلِّ ضيقٍ مخرجًا» وأكثري من الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم؛ فذلك من أسباب كفاية الهم وغفران الذنوب، كما قال عليه الصلاة والسلام لمن قال له: أجعل لك صلاتي كلها؟ (أي دعائي) قال: «إذاً تُكفى همَّك ويُغفر ذنبك».

اجعلي بينكِ وبين والديكِ وسيطًا من إخوتكِ، ممن له تأثير عليهما لحل هذا الإشكال؛ فإن لم يكن فأي قريب يحترمانه ويسمعان لتوجيهه ونصحه.

إن كان أبناؤكِ يفهمون ما يدور، فبيني لهم أن جدهم حينما يتكلم بذلك الكلام، أو يفعل تلك الأفعال؛ إنما هي بسبب غضبه الشديد، وأنه معذور، وبيني لهم أن الواجب عليكم جميعًا إعذاره وحبه، وعدم كرهه، فتصرفاته الخاطئة؛ إنما هي بسبب انفعاله وغضبه، فبثُّ روح التسامح، وعدم بثِّ روح الكراهية فيه مصلحة للجميع، وعليكِ بالصبر واحتساب الأجر عند الله سبحانه؛ فالصبر عاقبته خير، وهذه الحوادث مقدرة عليكِ من قبل أن تُخلقي، فارضِي بما قدَّره الله، فإن رضيتِ فلكِ الرضا.

أسأل الله أن يُلهمكِ الصواب والسداد، وأن يهدي قلب والديكِ، وأن يجمع شملكِ وأسرتكِ على الخير.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً