( ( له الحياة والكلام والبصر سمع إرادة وعلم واقتدر ) )
( بقدرة تعلقت بممكن كذا إرادة فع واستبن ) )
( والعلم والكلام قد تعلقا بكل شيء يا خليلي مطلقا ) )
( وسمعه سبحانه كالبصر بكل مسموع وكل مبصر ) )
( وإن ما جاء مع جبريل من محكم القرآن والتنزيل ) )
( كلامه سبحانه قديم أعيا الورى بالنص يا عليم ) )
[ ص: 131 ] ( ( وليس في طوق الورى من أصله أن يستطيعوا سورة من مثله ) )
الأولى ما أشار إليها بقوله مما يجب ( له ) - سبحانه وتعالى ، (
nindex.php?page=treesubj&link=28721_29713الحياة ) وهي صفة ذاتية ثبوتية ، قديمة أزلية ، تقتضي صحة العلم والقدرة لاستحالة قيامهما
[ ص: 132 ] بغير الحي ، قال العلماء - رحمهم الله تعالى : حياة الباري - عز وجل - مما اتفق عليه العقلاء ، نعم ، الحياة في حقه لا يجوز أن تكون بمعنى الحياة في حقنا ; لأنها في حقنا قوة تتبع اعتدال النوع ، وهذا في حقه - تعالى - محال ، فمن ثم اختلف في معناها في حقه - تعالى ، فقال
أبو الحسين البصري من
المعتزلة : حياته صحة العلم والقدرة ، فمعنى كونه حيا أنه يصح أن يعلم ويقدر ، وعند الفلاسفة الحي هو الدراك الفعال ، وقال
أهل السنة : حياته صفة زائدة على العلم والإرادة قديمة قائمة بذاته ، لأجلها يصح أن يعلم ويقدر ، لا نفس صحة العلم والقدرة ، وكذا فسرها جمهور الأئمة من
أهل السنة والجماعة ، فهي صفة كمال في نفسها ، فاتصف بها - جل وعلا - فصفة الحياة هي الجامعة لسائر الصفات متقدمة الرتبة عليها ، فلا يتقدمها إلا الوجود ، وهي لا تتعلق بشيء لا موجود ولا معدوم ، ومثلها الوجود والقدم والبقاء عند من يعدها من الصفات الذاتية ، وضابطها أنها كل صفة لا تقتضي أمرا زائدا على قيامها بمحلها ، كما أن ضابط ما يتعلق من الصفات أنها كل صفة تقتضي أمرا زائدا على القيام بمحلها ، فإن العلم يقتضي معلوما ، والقدرة تقتضي مقدورا . . . إلخ .
( تنبيه ) : ذكر الإمام المحقق
ابن القيم في البدائع أن الصفة متى قامت بموصوف لزمها أمور أربعة : أمران لفظيان ، وأمران معنويان ، فاللفظيان ثبوتي وسلبي ، فالثبوتي أن يشتق للموصوف منها اسم ، والسلبي أن يمتنع الاشتقاق لغيره ، والمعنويان ثبوتي وسلبي ، فالثبوتي أنه يعود حكمها إلى الموصوف ويخبر بها عنه ، والسلبي أنه لا يعود حكمها إلى غيره ، ولا يكون خبرا عنه . وهذه قاعدة عظيمة في معرفة الأسماء والصفات كالكلام والعلم ونحوهما .
( ( لَهُ الْحَيَاةُ وَالْكَلَامُ وَالْبَصَرْ سَمْعٌ إِرَادَةٌ وَعِلْمٌ وَاقْتَدَرْ ) )
( بِقُدْرَةٍ تَعَلَّقَتْ بِمُمْكِنْ كَذَا إِرَادَةٌ فَعِ وَاسْتَبِنْ ) )
( وَالْعِلْمُ وَالْكَلَامُ قَدْ تَعَلَّقَا بِكُلِّ شَيْءٍ يَا خَلِيلِي مُطْلَقَا ) )
( وَسَمْعُهُ سُبْحَانَهُ كَالْبَصَرِ بِكُلِّ مَسْمُوعٍ وَكُلِّ مُبْصَرْ ) )
( وَإِنَّ مَا جَاءَ مَعَ جِبْرِيلَ مِنْ مُحْكَمِ الْقُرْآنِ وَالتَّنْزِيلْ ) )
( كَلَامُهُ سُبْحَانَهُ قَدِيمْ أَعْيَا الْوَرَى بِالنَّصِّ يَا عَلِيمُ ) )
[ ص: 131 ] ( ( وَلَيْسَ فِي طَوْقِ الْوَرَى مِنْ أَصْلِهِ أَنْ يَسْتَطِيعُوا سُورَةً مِنْ مِثْلِهِ ) )
الْأُولَى مَا أَشَارَ إِلَيْهَا بِقَوْلِهِ مِمَّا يَجِبُ ( لَهُ ) - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى ، (
nindex.php?page=treesubj&link=28721_29713الْحَيَاةُ ) وَهِيَ صِفَةٌ ذَاتِيَّةٌ ثُبُوتِيَّةٌ ، قَدِيمَةٌ أَزَلِيَّةٌ ، تَقْتَضِي صِحَّةَ الْعِلْمِ وَالْقُدْرَةِ لِاسْتِحَالَةِ قِيَامِهِمَا
[ ص: 132 ] بِغَيْرِ الْحَيِّ ، قَالَ الْعُلَمَاءُ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى : حَيَاةُ الْبَارِي - عَزَّ وَجَلَّ - مِمَّا اتَّفَقَ عَلَيْهِ الْعُقَلَاءُ ، نَعَمْ ، الْحَيَاةُ فِي حَقِّهِ لَا يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ بِمَعْنَى الْحَيَاةِ فِي حَقِّنَا ; لِأَنَّهَا فِي حَقِّنَا قُوَّةٌ تَتْبَعُ اعْتِدَالَ النَّوْعِ ، وَهَذَا فِي حَقِّهِ - تَعَالَى - مُحَالٌ ، فَمِنْ ثَمَّ اخْتُلِفَ فِي مَعْنَاهَا فِي حَقِّهِ - تَعَالَى ، فَقَالَ
أَبُو الْحُسَيْنِ الْبَصْرِيُّ مِنَ
الْمُعْتَزِلَةِ : حَيَاتُهُ صِحَّةُ الْعِلْمِ وَالْقُدْرَةِ ، فَمَعْنَى كَوْنِهِ حَيًّا أَنَّهُ يَصِحُّ أَنْ يَعْلَمَ وَيَقْدِرَ ، وَعِنْدَ الْفَلَاسِفَةِ الْحَيُّ هُوَ الدَّرَّاكُ الْفَعَّالُ ، وَقَالَ
أَهْلُ السُّنَّةِ : حَيَاتُهُ صِفَةٌ زَائِدَةٌ عَلَى الْعِلْمِ وَالْإِرَادَةِ قَدِيمَةٌ قَائِمَةٌ بِذَاتِهِ ، لِأَجْلِهَا يَصِحُّ أَنْ يَعْلَمَ وَيَقْدِرَ ، لَا نَفْسَ صِحَّةِ الْعِلْمِ وَالْقُدْرَةِ ، وَكَذَا فَسَّرَهَا جُمْهُورُ الْأَئِمَّةِ مِنْ
أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ ، فَهِيَ صِفَةُ كَمَالٍ فِي نَفْسِهَا ، فَاتَّصَفَ بِهَا - جَلَّ وَعَلَا - فَصِفَةُ الْحَيَاةِ هِيَ الْجَامِعَةُ لِسَائِرِ الصِّفَاتِ مُتَقَدِّمَةُ الرُّتْبَةِ عَلَيْهَا ، فَلَا يَتَقَدَّمُهَا إِلَّا الْوُجُودُ ، وَهِيَ لَا تَتَعَلَّقُ بِشَيْءٍ لَا مَوْجُودٍ وَلَا مَعْدُومٍ ، وَمِثْلُهَا الْوُجُودُ وَالْقِدَمُ وَالْبَقَاءُ عِنْدَ مَنْ يَعُدُّهَا مِنَ الصِّفَاتِ الذَّاتِيَّةِ ، وَضَابِطُهَا أَنَّهَا كُلُّ صِفَةٍ لَا تَقْتَضِي أَمْرًا زَائِدًا عَلَى قِيَامِهَا بِمَحَلِّهَا ، كَمَا أَنَّ ضَابِطَ مَا يَتَعَلَّقُ مِنَ الصِّفَاتِ أَنَّهَا كُلُّ صِفَةٍ تَقْتَضِي أَمْرًا زَائِدًا عَلَى الْقِيَامِ بِمَحَلِّهَا ، فَإِنَّ الْعِلْمَ يَقْتَضِي مَعْلُومًا ، وَالْقُدْرَةَ تَقْتَضِي مَقْدُورًا . . . إِلَخْ .
( تَنْبِيهٌ ) : ذَكَرَ الْإِمَامُ الْمُحَقِّقُ
ابْنُ الْقَيِّمِ فِي الْبَدَائِعِ أَنَّ الصِّفَةَ مَتَى قَامَتْ بِمَوْصُوفٍ لَزِمَهَا أُمُورٌ أَرْبَعَةٌ : أَمْرَانِ لَفْظِيَّانِ ، وَأَمْرَانِ مَعْنَوِيَّانِ ، فَاللَّفْظِيَّانِ ثُبُوتِيٌّ وَسَلْبِيٌّ ، فَالثُّبُوتِيُّ أَنْ يُشْتَقَّ لِلْمَوْصُوفِ مِنْهَا اسْمٌ ، وَالسَّلْبِيُّ أَنْ يَمْتَنِعَ الِاشْتِقَاقُ لِغَيْرِهِ ، وَالْمَعْنَوِيَّانِ ثُبُوتِيٌّ وَسَلْبِيٌّ ، فَالثُّبُوتِيُّ أَنَّهُ يَعُودُ حُكْمُهَا إِلَى الْمَوْصُوفِ وَيُخْبَرُ بِهَا عَنْهُ ، وَالسَّلْبِيُّ أَنَّهُ لَا يَعُودُ حُكْمُهَا إِلَى غَيْرِهِ ، وَلَا يَكُونُ خَبَرًا عَنْهُ . وَهَذِهِ قَاعِدَةٌ عَظِيمَةٌ فِي مَعْرِفَةِ الْأَسْمَاءِ وَالصِّفَاتِ كَالْكَلَامِ وَالْعِلْمِ وَنَحْوِهِمَا .