فصل التلبيس
قال : ( باب التلبيس )
nindex.php?page=treesubj&link=28977قال الله تعالى nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=9وللبسنا عليهم ما يلبسون ، ليته لم يستشهد بهذه الآية في هذا الباب ، فإن الاستشهاد بها على مقصوده أبعد شاهد عليه ، وأبطله شهادة ، وليته لم يسم هذا الباب بالتلبيس واختار له اسما أحسن منه موقعا .
فأما الآية : فإن معناها غير ما عقد له الباب من كل وجه ، فإن المشركين قالوا تعنتا في كفرهم
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=8لولا أنزل عليه ملك يعنون : ملكا نشاهده ونراه ، يشهد له ويصدقه ، وإلا فالملك كان ينزل عليه بالوحي من الله ، فأجاب الله تعالى عن هذا ، وبين الحكمة في عدم إنزال الملك على الوجه الذي اقترحوه بأنه لو أنزل ملكا - كما اقترحوا ولم يؤمنوا ويصدقوه - لعوجلوا بالعذاب ، كما جرت واستمرت به سنته تعالى مع
[ ص: 365 ] الكفار في آيات الاقتراح ، إذا جاءتهم ولم يؤمنوا بها ، فقال
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=8ولو أنزلنا ملكا لقضي الأمر ثم لا ينظرون ثم بين سبحانه أنه لو أنزل ملكا - كما اقترحوا - لما حصل به مقصودهم ؛ لأنه إن أنزله في صورته لم يقدروا على التلقي عنه ، إذ البشر لا يقدرون على مخاطبة الملك ومباشرته وقد كان النبي - صلى الله عليه وسلم - - وهو أقوى الخلق - إذا نزل عليه الملك كرب لذلك ، وأخذه البرحاء ، وتحدر منه العرق في اليوم الشاتي ، وإن جعله في صورة رجل ؛ حصل لهم لبس ؛ هل هو رجل ، أم ملك ؟ فقال تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=9ولو جعلناه ملكا لجعلناه رجلا وللبسنا عليهم في هذه الحال
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=9ما يلبسون على أنفسهم حينئذ ، فإنهم يقولون - إذا رأوا الملك في صورة الإنسان - هذا إنسان ، وليس بملك ، فهذا معنى الآية ، فأين تجده مما عقد له الباب ؟
فَصْلٌ التَّلْبِيسُ
قَالَ : ( بَابُ التَّلْبِيسِ )
nindex.php?page=treesubj&link=28977قَالَ اللَّهُ تَعَالَى nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=9وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِمْ مَا يَلْبِسُونَ ، لَيْتَهُ لَمْ يَسْتَشْهِدْ بِهَذِهِ الْآيَةِ فِي هَذَا الْبَابِ ، فَإِنَّ الِاسْتِشْهَادَ بِهَا عَلَى مَقْصُودِهِ أَبْعَدُ شَاهِدٍ عَلَيْهِ ، وَأَبْطَلُهُ شَهَادَةً ، وَلَيْتَهُ لَمْ يُسَمِّ هَذَا الْبَابَ بِالتَّلْبِيسِ وَاخْتَارَ لَهُ اسْمًا أَحْسَنَ مِنْهُ مَوْقِعًا .
فَأَمَّا الْآيَةُ : فَإِنَّ مَعْنَاهَا غَيْرُ مَا عُقِدَ لَهُ الْبَابُ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ ، فَإِنَّ الْمُشْرِكِينَ قَالُوا تَعَنُّتًا فِي كُفْرِهِمْ
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=8لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ يَعْنُونَ : مَلَكًا نُشَاهِدُهُ وَنَرَاهُ ، يَشْهَدُ لَهُ وَيُصَدِّقُهُ ، وَإِلَّا فَالْمَلَكُ كَانَ يَنْزِلُ عَلَيْهِ بِالْوَحْيِ مِنَ اللَّهِ ، فَأَجَابَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْ هَذَا ، وَبَيَّنَ الْحِكْمَةَ فِي عَدَمِ إِنْزَالِ الْمَلَكِ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي اقْتَرَحُوهُ بِأَنَّهُ لَوْ أَنْزَلَ مَلَكًا - كَمَا اقْتَرَحُوا وَلَمْ يُؤْمِنُوا وَيُصَدِّقُوهُ - لَعُوجِلُوا بِالْعَذَابِ ، كَمَا جَرَتْ وَاسْتَمَرَّتْ بِهِ سُنَّتُهُ تَعَالَى مَعَ
[ ص: 365 ] الْكُفَّارِ فِي آيَاتِ الِاقْتِرَاحِ ، إِذَا جَاءَتْهُمْ وَلَمْ يُؤْمِنُوا بِهَا ، فَقَالَ
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=8وَلَوْ أَنْزَلْنَا مَلَكًا لَقُضِيَ الْأَمْرُ ثُمَّ لَا يُنْظَرُونَ ثُمَّ بَيَّنَ سُبْحَانَهُ أَنَّهُ لَوْ أَنْزَلَ مَلَكًا - كَمَا اقْتَرَحُوا - لَمَا حَصَلَ بِهِ مَقْصُودُهُمْ ؛ لِأَنَّهُ إِنْ أَنْزَلَهُ فِي صُورَتِهِ لَمْ يَقْدِرُوا عَلَى التَّلَقِّي عَنْهُ ، إِذِ الْبَشَرُ لَا يَقْدِرُونَ عَلَى مُخَاطَبَةِ الْمَلَكِ وَمُبَاشَرَتِهِ وَقَدْ كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - - وَهُوَ أَقْوَى الْخَلْقِ - إِذَا نَزَلَ عَلَيْهِ الْمَلَكُ كَرَبَ لِذَلِكَ ، وَأَخَذَهُ الْبُرَحَاءُ ، وَتَحَدَّرَ مِنْهُ الْعَرَقُ فِي الْيَوْمِ الشَّاتِي ، وَإِنْ جَعَلَهُ فِي صُورَةِ رَجُلٍ ؛ حَصَلَ لَهُمْ لَبْسٌ ؛ هَلْ هُوَ رَجُلٌ ، أَمْ مَلَكٌ ؟ فَقَالَ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=9وَلَوْ جَعَلْنَاهُ مَلَكًا لَجَعَلْنَاهُ رَجُلًا وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِمْ فِي هَذِهِ الْحَالِ
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=9مَا يَلْبِسُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ حِينَئِذٍ ، فَإِنَّهُمْ يَقُولُونَ - إِذَا رَأَوُا الْمَلَكَ فِي صُورَةِ الْإِنْسَانِ - هَذَا إِنْسَانٌ ، وَلَيْسَ بِمَلَكٍ ، فَهَذَا مَعْنَى الْآيَةِ ، فَأَيْنَ تَجِدُهُ مِمَّا عُقِدَ لَهُ الْبَابُ ؟