[ ص: 209 ] nindex.php?page=treesubj&link=28889سورة تبت
وهي مكية بإجماع . وهي خمس آيات
بسم الله الرحمن الرحيم
nindex.php?page=tafseer&surano=111&ayano=1تبت يدا أبي لهب وتب
فيه ثلاث مسائل :
الأولى :
nindex.php?page=treesubj&link=29082قوله تعالى : nindex.php?page=tafseer&surano=111&ayano=1تبت يدا أبي لهب في الصحيحين وغيرهما ( واللفظ
لمسلم ) عن
ابن عباس قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=3500625لما نزلت nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=214وأنذر عشيرتك الأقربين ( ورهطك منهم المخلصين ) ، خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى صعد الصفا ، فهتف : يا صباحاه ! فقالوا : من هذا الذي يهتف ؟ قالوا محمد . فاجتمعوا إليه . فقال : يا بني فلان ، يا بني فلان ، يا بني فلان ، يا بني عبد مناف ، يا بني عبد المطلب فاجتمعوا إليه . فقال : أرأيتكم لو أخبرتكم أن خيلا تخرج بسفح هذا الجبل أكنتم مصدقي ؟ قالوا : ما جربنا عليك كذبا . قال : فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد . فقال أبو لهب : تبا لك ، أما جمعتنا إلا لهذا ! ثم قام ، فنزلت هذه السورة : [ ص: 210 ] nindex.php?page=tafseer&surano=111&ayano=1تبت يدا أبي لهب وقد تب كذا قرأ
الأعمش إلى آخر السورة . زاد
nindex.php?page=showalam&ids=14171الحميدي وغيره :
nindex.php?page=hadith&LINKID=3500626فلما سمعت امرأته ما نزل في زوجها وفيها من القرآن ، أتت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو جالس في المسجد عند الكعبة ، ومعه أبو بكر - رضي الله عنه - ، وفي يدها فهر من حجارة ، فلما وقفت عليه أخذ الله بصرها عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فلا ترى إلا أبا بكر . فقالت : يا أبا بكر ، إن صاحبك قد بلغني أنه يهجوني ، والله لو وجدته لضربت بهذا الفهر فاه ، والله إني لشاعرة :
مذمما عصينا وأمره أبينا ودينه قلينا
ثم انصرفت . فقال أبو بكر : يا رسول الله ، أما تراها رأتك ؟ قال : " ما رأتني ، لقد أخذ الله بصرها عني " . وكانت
قريش إنما تسمي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مذمما ؛ يسبونه ، وكان يقول : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=3500627ألا تعجبون لما صرف الله عني من أذى قريش ، يسبون ويهجون مذمما وأنا محمد " . وقيل : إن سبب نزولها ما حكاه
عبد الرحمن بن زيد أن أبا لهب أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال : ماذا أعطى إن آمنت بك يا محمد ؟ فقال : " كما يعطى المسلمون " قال ما لي عليهم فضل ؟ . قال : " وأي شيء تبغي " ؟ قال : تبا لهذا من دين ، أن أكون أنا وهؤلاء سواء ؛ فأنزل الله تعالى فيه . nindex.php?page=tafseer&surano=111&ayano=1تبت يدا أبي لهب وتب .
وقول ثالث حكاه
عبد الرحمن بن كيسان قال : كان إذا وفد على النبي - صلى الله عليه وسلم - وقد انطلق إليهم
أبو لهب فيسألونه عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ويقولون له : أنت أعلم به منا . فيقول لهم
أبو لهب : إنه كذاب ساحر . فيرجعون عنه ولا يلقونه . فأتى وفد ، ففعل معهم مثل ذلك ، فقالوا : لا ننصرف حتى نراه ، ونسمع كلامه . فقال لهم
أبو لهب : إنا لم نزل نعالجه فتبا له وتعسا . فأخبر بذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فاكتأب لذلك ؛ فأنزل الله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=111&ayano=1تبت يدا أبي لهب . . . السورة . وقيل : إن
أبا لهب أراد أن يرمي النبي - صلى الله عليه وسلم - بحجر ، فمنعه الله من ذلك ، وأنزل الله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=111&ayano=1تبت يدا أبي لهب وتب للمنع الذي وقع به . ومعنى تبت : خسرت ؛ قال
قتادة . وقيل : خابت ؛ قال
ابن عباس . وقيل : ضلت ؛ قاله
عطاء . وقيل : هلكت ؛ قاله
nindex.php?page=showalam&ids=13033ابن جبير . وقال
يمان بن رئاب : صفرت من كل خبر . حكى
الأصمعي عن
nindex.php?page=showalam&ids=12114أبي عمرو بن العلاء أنه لما قتل
عثمان - رحمه الله - سمع الناس هاتفا يقول :
لقد خلوك وانصرفوا فما أبوا ولا رجعوا
ولم يوفوا بنذرهم فيا تبا لما صنعوا
وخص اليدين بالتباب ، لأن العمل أكثر ما يكون بهما ؛ أي خسرتا وخسر هو . وقيل :
[ ص: 211 ] المراد باليدين نفسه . وقد يعبر عن النفس باليد ، كما قال الله تعالى : بما قدمت يداك . أي نفسك . وهذا مهيع كلام العرب ؛ تعبر ببعض الشيء عن كله ؛ تقول : أصابته يد الدهر ، ويد الرزايا والمنايا ؛ أي أصابه كل ذلك . قال الشاعر :
لما أكبت يد الرزايا عليه نادى ألا مجير
وتب قال
الفراء : التب الأول : دعاء والثاني خبر ؛ كما يقال : أهلكه الله وقد هلك . وفي قراءة
عبد الله وأبي وقد تب
وأبو لهب اسمه
عبد العزى ، وهو
ابن عبد المطلب عم النبي - صلى الله عليه وسلم - . وامرأته
العوراء أم جميل ، أخت أبي سفيان بن حرب ، وكلاهما كان شديد العداوة للنبي - صلى الله عليه وسلم - .
قال
طارق بن عبد الله المحاربي :
nindex.php?page=hadith&LINKID=3500629إني بسوق ذي المجاز ، إذ أنا بإنسان يقول : " يأيها الناس ، قولوا لا إله إلا الله تفلحوا " ، وإذا رجل خلفه يرميه ، قد أدمى ساقيه وعرقوبيه ويقول : يأيها الناس ، إنه كذاب فلا تصدقوه . فقلت من هذا ؟ فقالوا : محمد ، زعم أنه نبي . وهذا عمه أبو لهب يزعم أنه كذاب . وروى
عطاء عن
ابن عباس قال : قال
أبو لهب : سحركم
محمد إن أحدنا ليأكل الجذعة ، ويشرب العس من اللبن فلا يشبع ، وإن
محمدا قد أشبعكم من فخذ شاة ، وأرواكم من عس لبن .
الثانية : قوله تعالى : أبي لهب قيل : سمي باللهب لحسنه ، وإشراق وجهه . وقد ظن قوم أن في هذا دليلا على تكنية المشرك ؛ وهو باطل ، وإنما كناه الله بأبي لهب - عند العلماء - لمعان أربعة :
الأول : أنه كان اسمه عبد العزى ، والعزى : صنم ، ولم يضف الله في كتابه العبودية إلى صنم .
الثاني : أنه كان بكنيته أشهر منه باسمه ؛ فصرح بها .
الثالث : أن الاسم أشرف من الكنية ، فحطه الله - عز وجل - عن الأشرف إلى الأنقص ؛ إذا لم يكن بد من الإخبار عنه ، ولذلك دعا الله تعالى الأنبياء بأسمائهم ، ولم يكن عن أحد منهم . ويدلك على شرف الاسم على الكنية : أن الله تعالى يسمى ولا يكنى ، وإن كان ذلك لظهوره وبيانه ؛ واستحالة نسبة الكنية إليه ، لتقدسه عنها .
الرابع : أن الله تعالى أراد أن يحقق نسبته ، بأن يدخله النار ، فيكون أبا لها ، تحقيقا للنسب ، وإمضاء للفأل والطيرة التي اختارها لنفسه . وقد قيل : اسمه كنيته . فكان أهله يسمونه (
أبا لهب ) ، لتلهب وجهه وحسنه ؛ فصرفهم الله عن أن يقولوا : أبو
[ ص: 212 ] النور ، وأبو الضياء ، الذي هو المشترك بين المحبوب والمكروه ، وأجرى على ألسنتهم أن يضيفوه إلى ( لهب ) الذي هو مخصوص بالمكروه المذموم ، وهو النار . ثم حقق ذلك بأن يجعلها مقره . وقرأ
مجاهد وحميد وابن كثير وابن محيصن . ( أبي لهب ) بإسكان الهاء . ولم يختلفوا في ( ذات لهب ) إنها مفتوحة ؛ لأنهم راعوا فيها رءوس الآي .
الثالثة : قال
ابن عباس : لما خلق الله - عز وجل - القلم قال له : اكتب ما هو كائن ، وكان فيما كتب تبت يدا أبي لهب . وقال
منصور : سئل
الحسن عن قوله تعالى : تبت يدا أبي لهب . هل كان في أم الكتاب ؟ وهل كان
أبو لهب يستطيع ألا يصلى النار ؟ فقال : والله ما كان يستطيع ألا يصلاها ، وإنها لفي كتاب الله من قبل أن يخلق
أبو لهب وأبواه . ويؤيده
nindex.php?page=hadith&LINKID=3500630قول موسى لآدم : أنت الذي خلقك الله بيده ، ونفخ فيك من روحه ، وأسكنك جنته ، وأسجد لك ملائكته ، خيبت الناس ، وأخرجتهم من الجنة . قال آدم : وأنت موسى الذي اصطفاك بكلامه ، وأعطاك التوراة ، تلومني على أمر كتبه الله علي قبل أن يخلق الله السماوات والأرض . قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : فحج آدم موسى . وقد تقدم هذا .
وفي حديث
همام عن
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة أن آدم قال لموسى : " بكم وجدت الله كتب التوراة قبل أن يخلقني " ؟ قال : بألفي عام قال : فهل وجدت فيها : وعصى آدم ربه فغوى قال : نعم قال : أفتلومني على أمر وكتب الله علي أن أفعله من قبل أن أخلق بألفي عام . فحج آدم موسى " . وفي حديث
طاوس وابن هرمز nindex.php?page=showalam&ids=13723والأعرج عن
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة : " بأربعين عاما " .
[ ص: 209 ] nindex.php?page=treesubj&link=28889سُورَةُ تَبَّتْ
وَهِيَ مَكِّيَّةٌ بِإِجْمَاعٍ . وَهِيَ خُمْسُ آيَاتٍ
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
nindex.php?page=tafseer&surano=111&ayano=1تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ
فِيهِ ثَلَاثُ مَسَائِلَ :
الْأُولَى :
nindex.php?page=treesubj&link=29082قَوْلُهُ تَعَالَى : nindex.php?page=tafseer&surano=111&ayano=1تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا ( وَاللَّفْظُ
لِمُسْلِمٍ ) عَنِ
ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=3500625لَمَّا نَزَلَتْ nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=214وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ ( وَرَهْطَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ ) ، خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَتَّى صَعِدَ الصَّفَا ، فَهَتَفَ : يَا صَبَاحَاهُ ! فَقَالُوا : مَنْ هَذَا الَّذِي يَهْتِفُ ؟ قَالُوا مُحَمَّدٌ . فَاجْتَمَعُوا إِلَيْهِ . فَقَالَ : يَا بَنِي فُلَانٍ ، يَا بَنِي فُلَانٍ ، يَا بَنِي فُلَانٍ ، يَا بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ ، يَا بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ فَاجْتَمَعُوا إِلَيْهِ . فَقَالَ : أَرَأَيْتُكُمْ لَوْ أَخْبَرْتُكُمْ أَنَّ خَيْلًا تَخْرُجُ بِسَفْحِ هَذَا الْجَبَلِ أَكُنْتُمْ مُصَدِّقِيَّ ؟ قَالُوا : مَا جَرَّبْنَا عَلَيْكَ كَذِبًا . قَالَ : فَإِنِّي نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ . فَقَالَ أَبُو لَهَبٍ : تَبًّا لَكَ ، أَمَا جَمَعْتَنَا إِلَّا لِهَذَا ! ثُمَّ قَامَ ، فَنَزَلَتْ هَذِهِ السُّورَةُ : [ ص: 210 ] nindex.php?page=tafseer&surano=111&ayano=1تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَقَدْ تَبَّ كَذَا قَرَأَ
الْأَعْمَشُ إِلَى آخِرِ السُّورَةِ . زَادَ
nindex.php?page=showalam&ids=14171الْحُمَيْدِيُّ وَغَيْرُهُ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=3500626فَلَمَّا سَمِعَتِ امْرَأَتُهُ مَا نَزَلَ فِي زَوْجِهَا وَفِيهَا مِنَ الْقُرْآنِ ، أَتَتْ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ جَالِسٌ فِي الْمَسْجِدِ عِنْدَ الْكَعْبَةِ ، وَمَعَهُ أَبُو بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - ، وَفِي يَدِهَا فِهْرٌ مِنْ حِجَارَةٍ ، فَلَمَّا وَقَفَتْ عَلَيْهِ أَخَذَ اللَّهُ بَصَرَهَا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ، فَلَا تَرَى إِلَّا أَبَا بَكْرٍ . فَقَالَتْ : يَا أَبَا بَكْرٍ ، إِنَّ صَاحِبَكَ قَدْ بَلَغَنِي أَنَّهُ يَهْجُونِي ، وَاللَّهِ لَوْ وَجَدْتُهُ لَضَرَبْتُ بِهَذَا الْفِهْرِ فَاهُ ، وَاللَّهِ إِنِّي لَشَاعِرَةٌ :
مُذَمَّمًا عَصَيْنَا وَأَمْرَهُ أَبَيْنَا وَدِينَهُ قَلَيْنَا
ثُمَّ انْصَرَفَتْ . فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، أَمَا تَرَاهَا رَأَتْكَ ؟ قَالَ : " مَا رَأَتْنِي ، لَقَدْ أَخَذَ اللَّهُ بَصَرَهَا عَنِّي " . وَكَانَتْ
قُرَيْشٌ إِنَّمَا تُسَمِّي رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُذَمَّمًا ؛ يَسُبُّونَهُ ، وَكَانَ يَقُولُ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=3500627أَلَا تَعْجَبُونَ لِمَا صَرَفَ اللَّهُ عَنِّي مِنْ أَذَى قُرَيْشٍ ، يَسُبُّونَ وَيَهْجُونَ مُذَمَّمًا وَأَنَا مُحَمَّدٌ " . وَقِيلَ : إِنَّ سَبَبَ نُزُولِهَا مَا حَكَاهُ
عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زَيْدٍ أَنَّ أَبَا لَهَبٍ أَتَى النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ : مَاذَا أُعْطَى إِنْ آمَنْتُ بِكَ يَا مُحَمَّدُ ؟ فَقَالَ : " كَمَا يُعْطَى الْمُسْلِمُونَ " قَالَ مَا لِي عَلَيْهِمْ فَضْلٌ ؟ . قَالَ : " وَأَيُّ شَيْءٍ تَبْغِي " ؟ قَالَ : تَبًّا لِهَذَا مِنْ دِينٍ ، أَنْ أَكُونَ أَنَا وَهَؤُلَاءِ سَوَاءً ؛ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى فِيهِ . nindex.php?page=tafseer&surano=111&ayano=1تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ .
وَقَوْلٌ ثَالِثٌ حَكَاهُ
عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ كَيْسَانَ قَالَ : كَانَ إِذَا وَفَدَ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَدِ انْطَلَقَ إِلَيْهِمْ
أَبُو لَهَبٍ فَيَسْأَلُونَهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَيَقُولُونَ لَهُ : أَنْتَ أَعْلَمُ بِهِ مِنَّا . فَيَقُولُ لَهُمْ
أَبُو لَهَبٍ : إِنَّهُ كَذَّابٌ سَاحِرٌ . فَيَرْجِعُونَ عَنْهُ وَلَا يَلْقَوْنَهُ . فَأَتَى وَفْدٌ ، فَفَعَلَ مَعَهُمْ مِثْلَ ذَلِكَ ، فَقَالُوا : لَا نَنْصَرِفُ حَتَّى نَرَاهُ ، وَنَسْمَعَ كَلَامَهُ . فَقَالَ لَهُمْ
أَبُو لَهَبٍ : إِنَّا لَمْ نَزَلْ نُعَالِجهُ فَتَبًّا لَهُ وَتَعْسًا . فَأُخْبِرَ بِذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَاكْتَأَبَ لِذَلِكَ ؛ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=111&ayano=1تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ . . . السُّورَةَ . وَقِيلَ : إِنَّ
أَبَا لَهَبٍ أَرَادَ أَنْ يَرْمِيَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِحَجَرٍ ، فَمَنَعَهُ اللَّهُ مِنْ ذَلِكَ ، وَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=111&ayano=1تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ لِلْمَنْعِ الَّذِي وَقَعَ بِهِ . وَمَعْنَى تَبَّتْ : خَسِرَتْ ؛ قَالَ
قَتَادَةُ . وَقِيلَ : خَابَتْ ؛ قَالَ
ابْنُ عَبَّاسٍ . وَقِيلَ : ضَلَّتْ ؛ قَالَهُ
عَطَاءٌ . وَقِيلَ : هَلَكَتْ ؛ قَالَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=13033ابْنُ جُبَيْرٍ . وَقَالَ
يَمَانُ بْنُ رِئَابٍ : صَفِرَتْ مِنْ كُلِّ خَبَرٍ . حَكَى
الْأَصْمَعِيُّ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=12114أَبِي عَمْرِو بْنِ الْعَلَاءِ أَنَّهُ لَمَّا قُتِلَ
عُثْمَانُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - سَمِعَ النَّاسُ هَاتِفًا يَقُول :
لَقَدْ خَلَّوْكَ وَانْصَرَفُوا فَمَا أَبَوْا وَلَا رَجَعُوا
وَلَمْ يُوفُوا بِنَذْرِهِمْ فَيَا تَبًّا لِمَا صَنَعُوا
وَخَصَّ الْيَدَيْنِ بِالتَّبَابِ ، لِأَنَّ الْعَمَلَ أَكْثَرُ مَا يَكُونُ بِهِمَا ؛ أَيْ خَسِرَتَا وَخَسِرَ هُوَ . وَقِيلَ :
[ ص: 211 ] الْمُرَادُ بِالْيَدَيْنِ نَفْسُهُ . وَقَدْ يُعَبَّرُ عَنِ النَّفْسِ بِالْيَدِ ، كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : بِمَا قَدَّمَتْ يَدَاكَ . أَيْ نَفْسُكُ . وَهَذَا مَهْيَعُ كَلَامِ الْعَرَبِ ؛ تُعَبِّرُ بِبَعْضِ الشَّيْءِ عَنْ كُلِّهِ ؛ تَقُولُ : أَصَابَتْهُ يَدُ الدَّهْرِ ، وَيَدُ الرَّزَايَا وَالْمَنَايَا ؛ أَيْ أَصَابَهُ كُلُّ ذَلِكَ . قَالَ الشَّاعِرُ :
لَمَّا أَكَبَّتْ يَدُ الرَّزَايَا عَلَيْهِ نَادَى أَلَا مُجِيرُ
وَتَبَّ قَالَ
الْفَرَّاءُ : التَّبُّ الْأَوَّلُ : دُعَاءٌ وَالثَّانِي خَبَرٌ ؛ كَمَا يُقَالُ : أَهْلَكَهُ اللَّهُ وَقَدْ هَلَكَ . وَفِي قِرَاءَةِ
عَبْدِ اللَّهِ وَأُبَيٍّ وَقَدْ تَبَّ
وَأَبُو لَهَبٍ اسْمُهُ
عَبْدُ الْعُزَّى ، وَهُوَ
ابْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ عَمُّ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - . وَامْرَأَتُهُ
الْعَوْرَاءُ أُمُّ جَمِيلٍ ، أُخْتُ أَبِي سُفْيَانَ بْنِ حَرْبٍ ، وَكِلَاهُمَا كَانَ شَدِيدَ الْعَدَاوَةِ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - .
قَالَ
طَارِقُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْمُحَارِبِيُّ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=3500629إِنِّي بِسُوقِ ذِي الْمَجَازِ ، إِذْ أَنَا بِإِنْسَانٍ يَقُولُ : " يَأَيُّهَا النَّاسُ ، قُولُوا لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ تُفْلِحُوا " ، وَإِذَا رَجُلٌ خَلْفَهُ يَرْمِيهِ ، قَدْ أَدْمَى سَاقَيْهِ وَعُرْقُوبَيْهِ وَيَقُول : يَأَيُّهَا النَّاسُ ، إِنَّهُ كَذَّابٌ فَلَا تُصَدِّقُوهُ . فَقُلْتُ مَنْ هَذَا ؟ فَقَالُوا : مُحَمَّدٌ ، زَعَمَ أَنَّهُ نَبِيٌّ . وَهَذَا عَمُّهُ أَبُو لَهَبٍ يَزْعُمُ أَنَّهُ كَذَّابٌ . وَرَوَى
عَطَاءٌ عَنِ
ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : قَالَ
أَبُو لَهَبٍ : سَحَرَكُمْ
مُحَمَّدٌ إِنَّ أَحَدَنَا لَيَأْكُلُ الْجَذَعَةَ ، وَيَشْرَبُ الْعُسَّ مِنَ اللَّبَنِ فَلَا يَشْبَعُ ، وَإِنَّ
مُحَمَّدًا قَدْ أَشْبَعَكُمْ مِنْ فَخِذِ شَاةٍ ، وَأَرْوَاكُمْ مِنْ عُسِّ لَبَنٍ .
الثَّانِيَةُ : قَوْلُهُ تَعَالَى : أَبِي لَهَبٍ قِيلَ : سُمِّيَ بِاللَّهَبِ لِحُسْنِهِ ، وَإِشْرَاقِ وَجْهِهِ . وَقَدْ ظَنَّ قَوْمٌ أَنَّ فِي هَذَا دَلِيلًا عَلَى تَكْنِيَةِ الْمُشْرِكِ ؛ وَهُوَ بَاطِلٌ ، وَإِنَّمَا كَنَّاهُ اللَّهُ بِأَبِي لَهَبٍ - عِنْدَ الْعُلَمَاءِ - لِمَعَانٍ أَرْبَعَةٍ :
الْأَوَّلُ : أَنَّهُ كَانَ اسْمُهُ عَبْدُ الْعُزَّى ، وَالْعُزَّى : صَنَمٌ ، وَلَمْ يُضِفِ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ الْعُبُودِيَّةَ إِلَى صَنَمٍ .
الثَّانِي : أَنَّهُ كَانَ بِكُنْيَتِهِ أَشْهَرَ مِنْهُ بِاسْمِهِ ؛ فَصَرَّحَ بِهَا .
الثَّالِثُ : أَنَّ الِاسْمَ أَشْرَفُ مِنَ الْكُنْيَةِ ، فَحَطَّهُ اللَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ - عَنِ الْأَشْرَفِ إِلَى الْأَنْقَصِ ؛ إِذَا لَمْ يَكُنْ بُدٌّ مِنَ الْإِخْبَارِ عَنْهُ ، وَلِذَلِكَ دَعَا اللَّهُ تَعَالَى الْأَنْبِيَاءَ بِأَسْمَائِهِمْ ، وَلَمْ يَكُنْ عَنْ أَحَدٍ مِنْهُمْ . وَيَدُلُّكَ عَلَى شَرَفِ الِاسْمِ عَلَى الْكُنْيَةِ : أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُسَمَّى وَلَا يُكْنَى ، وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ لِظُهُورِهِ وَبَيَانِهِ ؛ وَاسْتِحَالَةِ نِسْبَةِ الْكُنْيَةِ إِلَيْهِ ، لِتَقَدُّسِهِ عَنْهَا .
الرَّابِعُ : أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَرَادَ أَنْ يُحَقِّقَ نِسْبَتَهُ ، بِأَنْ يُدْخِلَهُ النَّارَ ، فَيَكُونَ أَبًا لَهَا ، تَحْقِيقًا لِلنَّسَبِ ، وَإِمْضَاءً لِلْفَأْلِ وَالطِّيَرَةِ الَّتِي اخْتَارَهَا لِنَفْسِهِ . وَقَدْ قِيلَ : اسْمُهُ كُنْيَتُهُ . فَكَانَ أَهْلُهُ يُسَمُّونَهُ (
أَبَا لَهَبٍ ) ، لِتَلَهُّبِ وَجْهِهِ وَحُسْنِهِ ؛ فَصَرَفَهُمُ اللَّهُ عَنْ أَنْ يَقُولُوا : أَبُو
[ ص: 212 ] النُّورِ ، وَأَبُو الضِّيَاءِ ، الَّذِي هُوَ الْمُشْتَرَكُ بَيْنَ الْمَحْبُوبِ وَالْمَكْرُوهِ ، وَأَجْرَى عَلَى أَلْسِنَتِهِمْ أَنْ يُضِيفُوهُ إِلَى ( لَهَبٍ ) الَّذِي هُوَ مَخْصُوصٌ بِالْمَكْرُوهِ الْمَذْمُومِ ، وَهُوَ النَّارُ . ثُمَّ حَقَّقَ ذَلِكَ بِأَنْ يَجْعَلَهَا مَقَرَّهُ . وَقَرَأَ
مُجَاهِدٌ وَحُمَيْدٌ وَابْنُ كَثِيرٍ وَابْنُ مُحَيْصِنٍ . ( أَبِي لَهْبٍ ) بِإِسْكَانِ الْهَاءِ . وَلَمْ يَخْتَلِفُوا فِي ( ذَاتِ لَهَبٍ ) إِنَّهَا مَفْتُوحَةٌ ؛ لِأَنَّهُمْ رَاعَوْا فِيهَا رُءُوسَ الْآيِ .
الثَّالِثَةُ : قَالَ
ابْنُ عَبَّاسٍ : لَمَّا خَلَقَ اللَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ - الْقَلَمَ قَالَ لَهُ : اكْتُبْ مَا هُوَ كَائِنٌ ، وَكَانَ فِيمَا كَتَبَ تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ . وَقَالَ
مَنْصُورٌ : سُئِلَ
الْحَسَنُ عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى : تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ . هَلْ كَانَ فِي أُمِّ الْكِتَابِ ؟ وَهَلْ كَانَ
أَبُو لَهَبٍ يَسْتَطِيعُ أَلَّا يَصْلَى النَّارَ ؟ فَقَالَ : وَاللَّهِ مَا كَانَ يَسْتَطِيعُ أَلَّا يَصْلَاهَا ، وَإِنَّهَا لَفِي كِتَابِ اللَّهِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُخْلَقَ
أَبُو لَهَبٍ وَأَبَوَاهُ . وَيُؤَيِّدُهُ
nindex.php?page=hadith&LINKID=3500630قَوْلُ مُوسَى لِآدَمَ : أَنْتَ الَّذِي خَلَقَكَ اللَّهُ بِيَدِهِ ، وَنَفَخَ فِيكَ مِنْ رُوحِهِ ، وَأَسْكَنَكَ جَنَّتَهُ ، وَأَسْجَدَ لَكَ مَلَائِكَتَهُ ، خَيَّبْتَ النَّاسَ ، وَأَخْرَجْتَهُمْ مِنَ الْجَنَّةِ . قَالَ آدَمُ : وَأَنْتَ مُوسَى الَّذِي اصْطَفَاكَ بِكَلَامِهِ ، وَأَعْطَاكَ التَّوْرَاةَ ، تَلُومُنِي عَلَى أَمْرٍ كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَيَّ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ . قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : فَحَجَّ آدَمُ مُوسَى . وَقَدْ تَقَدَّمَ هَذَا .
وَفِي حَدِيثِ
هَمَّامٍ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=3أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ آدَمَ قَالَ لِمُوسَى : " بِكُمْ وَجَدْتُ اللَّهَ كَتَبَ التَّوْرَاةِ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَنِي " ؟ قَالَ : بِأَلْفَيْ عَامٍ قَالَ : فَهَلْ وَجَدْتَ فِيهَا : وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى قَالَ : نَعَمْ قَالَ : أَفَتَلُومُنِي عَلَى أَمْرٍ وَكَتَبَ اللَّهُ عَلَيَّ أَنْ أَفْعَلهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ أُخْلَقَ بِأَلْفَيْ عَامٍ . فَحَجَّ آدَمُ مُوسَى " . وَفِي حَدِيثِ
طَاوُسٍ وَابْنِ هُرْمُزَ nindex.php?page=showalam&ids=13723وَالْأَعْرَجِ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=3أَبِي هُرَيْرَةَ : " بِأَرْبَعِينَ عَامًا " .